سورة الحاقة - تفسير تفسير الرازي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحاقة)


        


{وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (26)}
واعلم أنه تعالى بين أنه لما نظر في كتابه وتذكر قبائح أفعاله خجل منها وصار العذاب الحاصل من تلك الخجالة أزيد من عذاب النار، فقال: ليتهم عذبوني بالنار، وما عرضوا هذا الكتاب الذي ذكرني قبائح أفعالي حتى لا أقع في هذه الخجالة، وهذا ينبهك على أن العذاب الروحاني أشد من العذاب الجسماني، وقوله: {وَلَمْ أَدْرِ ما حسابية} أي ولم أدر أي شيء حسابيه، لأنه حاصل ولا طائل له في ذلك الحساب، وإنما كله عليه.


{يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27)}
الضمير في {يا ليتها} إلى ماذا يعود؟ فيه وجهان الأول: إلى الموتة الأولى، وهي وإن لم تكن مذكورة إلا أنها لظهورها كانت كالمذكورة والقاضية القاطعة عن الحياة. وفيها إشارة إلى الإنتهاء والفراغ، قال تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ} [الجمعة: 10] ويقال: قضى على فلان، أي مات فالمعنى يا ليت الموتة التي متها كانت القاطعة لأمري، فلم أبعث بعدها، ولم ألق ما وصلت إليه، قال قتادة: تمنى الموت ولم يكن في الدنيا عنده شيء أكره من الموت، وشر من الموت ما يطلب له الموت، قال الشاعر:
وشر من الموت الذي إن لقيته *** تمنيت منه الموت والموت أعظم
والثاني: أنه عائد إلى الحالة التي شاهدها عند مطالعة الكتاب، والمعنى: يا ليت هذه الحالة كانت الموتة التي قضيت علي لأنه رأى تلك الحالة أبشع وأمر مما ذاقه من مرارة الموت وشدته فتمناه عندها.


{مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (29) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (32)}
{مَا أغنى} نفي أو استفهام على وجه الإنكار أي أي شيء أغنى عني ما كان لي من اليسار، ونظيره قوله: {وَيَأْتِينَا فَرْداً} [مريم: 80] وقوله: {هَلَكَ عَنّي سلطانيه} في المراد بلسطانيه وجهان:
أحدهما: قال ابن عباس: ضلت عني حجتي التي كنت أحتج بها على محمد في الدنيا، وقال مقاتل: ضلت عني حجتي يعني حين شهدت عليه الجوارح بالشرك والثاني: ذهب ملكي وتسلطي على الناس وبقيت فقيراً ذليلاً، وقيل معناه: إنني إنما كنت أنازع المحقين بسبب الملك والسلطان، فالآن ذهب ذلك الملك وبقي الوبال.
واعلم أنه تعالى ذكر سرور السعداء أولاً، ثم ذكر أحوالهم في العيش الطيب وفي الأكل والشرب، كذا هاهنا ذكر غم الأشقياء وحزنهم، ثم ذكر أحوالهم في الغل والقيد وطعام الغسلين، فأولها أن تقول: خزنة جهنم خذوه فيبتدر إليه مائة ألف ملك، وتجمع يده إلى عنقه، فذاك قوله: {فَغُلُّوهُ} وقوله: {ثُمَّ الجحيم صَلُّوهُ} قال المبرد: أصليته النار إذا أوردته إياها وصليته أيضاً كما يقال: أكرمته وكرمته، وقوله: {ثُمَّ الجحيم صَلُّوهُ} معناه لا تصلوه إلى الجحيم، وهي النار العظمى لأنه كان سلطاناً يتعظم على الناس، ثم في سلسلة وهي حلق منتظمة كل حلقة منها في حلقة وكل شيء مستمر بعد شيء على الولاء والنظام فهو مسلسل، وقوله: {ذَرْعُهَا} معنى الذرع في اللغة التقدير بالذراع من اليد، يقال: ذرع الثوب يذرعه ذرعاً إذا قدره بذراعه، وقوله: {سَبْعُونَ ذِرَاعاً} فيه قولان:
أحدهما: أنه ليس الغرض التقدير بهذا المقدار بل الوصف بالطول، كما قال: {إن تستغفر لهم سبعين مرة} [التوبة: 80] يريد مرات كثيرة والثاني: أنه مقدر بهذا المقدار ثم قالوا: كل ذراع سبعون باعاً وكل باع أبعد مما بين مكة والكوفة، وقال الحسن: الله أعلم بأي ذراع هو، وقوله: {فَاْسْلُكُوهُ} قال المبرد: يقال سلكه في الطريق، وفي القيد وغير ذلك وأسلكته معناه أدخلته ولغة القرآن سلكته قال الله تعالى: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سقر} [المدثر: 42] وقال: {سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ المجرمين} [الشعراء: 200] قال ابن عباس: تدخل السلسلة من دبره وتخرج من حلقه، ثم يجمع بين ناصيته وقدميه، وقال الكلبي: كما يسلك الخيط في اللؤلؤ ثم يجعل في عنقه سائرها، وهاهنا سؤالات:
السؤال الأول: ما الفائدة في تطويل هذه السلسلة؟
الجواب: قال سويد بن أبي نجيح: بلغني أن جميع أهل النار في تلك السلسلة، وإذا كان الجمع من الناس مقيدين بالسلسلة الواحدة كان العذاب على كل واحد منهم بذلك السبب أشد.
السؤال الثاني: سلك السلسلة فيهم معقول، أما سلكهم في السلسلة فما معناه؟
الجواب: سلكه في السلسلة أن تلوى على جسده حتى تلتف عليه أجزاؤها وهو فيما بينها مزهق مضيق عليه لا يقدر على حركة، وقالوا الفراء: المعنى ثم اسلكوا فيه السلسلة كما يقال: أدخلت رأسي في القلنسوة وأدخلتها في رأسي، ويقال: الخاتم لا يدخل في إصبعي، والإصبع هو الذي يدخل في الخاتم.
السؤال الثالث: لم قال في {سلسلة... فاسلكوه}، ولم يقل: فاسلكوه في سلسلة؟
الجواب: المعنى في تقديم السلسلة على السلك هو الذي ذكرناه في تقديم الجحيم على التصلية، أي لا تسلكوه إلا في هذه السلسلة لأنها أفظع من سائر السلاسل السؤال الرابع: ذكر الأغلال والتصلية بالفاء وذكر السلك في هذه السلسلة بلفظ ثم، فما الفرق؟
الجواب: ليس المراد من كلمة ثم تراخي المدة بل التفاوت في مراتب العذاب.
واعلم أنه تعالى لما شرح هذا العذاب الشديد ذكر سببه فقال:

4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11